مما لا شك فيه أن الإهتمام بإستخدام الوقود النظيف والطاقة الشمسية بشكل أكثر تحديدًا في صناعة الطيران العالمية قد تضاعف مع إكتمال بناء طائرتي سولار إمبلس 1 و2 التي تم ابتكارها على يد مشروع الطيران الكهربائي الذي يحمل نفس الإسم. ومع ذلك، فإن تاريخ إستخدام طائرات الطاقة الشمسية يعود إلى قبل ذلك بكثير.
ولا ينفي هذا بالطبع الدور الكبير الذي لعبه الإتجاه العالمي المتزايد نحو مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة في تسريع التطور في هذا المجال، لكن الواقع هو أن أول رحلة جوية ناجحة قامت بها طائرة كهربائية قد تمت من أكثر من أربعة عقود، ونحن نستعمل كلمة “ناجحة” هنا لأن هناك روايات عن أن أولى المحاولات التي لم تكلل بالنجاح في إستخدام الكهرباء في الطيران تعود إلى نهايات القرن التاسع عشر.
في هذا المقال، نستعرض سويًا تاريخ طائرات الطاقة الشمسية أو الطائرات الكهربائية منذ أول محاولة ناجحة في هذا المضمار وحتى يومنا هذا بالإضافة إلى مزايا وعيوب طائرات الطاقة الشمسية:
ماورو سولار رايزر:
من الناحية التقنية، فإن ماورو سولار رايزر ليست أول طائرة تنجح في التحليق بإستخدام الطاقة الشمسية في التاريخ، ففي الرابع من نوفمبر من عام 1974، نجحت طائرة أسترو فلايت سنرايز – وهي طائرة بدون طيار – في الإقلاع لأول مرة من بيسكل لايك في ولاية كاليفورنيا لتكمل بعدها 26 رحلة جوية أخرى بإستخدام الطاقة الشمسية فقط.
لكن على الجانب الآخر، كانت ماورو سولار رايزر هي أول طائرة كهربائية بقيادة يدوية تعمل بنجاح، وقد تم التحليق بها لأول مرة في التاسع والعشرين من أبريل من عام 1979 – أي بعد أربعة أعوام من إختبار أسترو فلايت سنرايز – على يد مصممها لاري ماورو من مطار فلابوب بمدينة ريفرسايد في كاليفورنيا.
كيف كانت تعمل طائرة ماورو سولار رايزر؟
إستعملت طائرة سولار رايزر محرك بوش تبلغ قوته 3.5 حصان موصل إلى مجموعة بطاريات 30 فولت مصنوعة من النيكل والكادميوم والتي كان يتم شحنها عن طريق خلايا الطاقة الشمسية التي تم تركيبها على الجناح العلوي للطائرة بطاقة إنتاجية تبلغ 350 وات.
هذا وكانت طائرة سولار رايزر الشمسية تستطيع التحليق لمدة تتراوح ما بين 3 و5 دقائق بعد أن يتم شحنها بالطاقة الشمسية لمدة ساعة ونصف ووصلت سرعتها القصوى إلى 32 كيلومتر في الساعة.
سولار وان:
على الرغم من أن عملية إنتاج طائرة سولار وان الشمسية قد اكتملت في شهر ديسمبر من عام 1978، أي قبل أولى تجارب ماورو سولار رايزر بأربعة أشهر كاملة، إلا أنها لم تخض تجربة الإقلاع إلا في شهر يونيو من عام 1979 بقيادة الطيار كين ستيوارت حيث حلقت لمسافة 1.2 كيلومتر بسرعة 65 كيلومتر في الساعة.
والجدير بالذكر أن الطائرة قامت بثاني تجارب الأداء الخاصة بها في نفس اليوم حيث حلق بها في المرة الثانية الطيار بيل ميدمنت بسرعتها القصوى التي بلغت 78 كيلومتر في الساعة.
بلغت التكلفة الإنتاجية الخاصة بطائرة سولار وان وقتها حوالي 16000 يورو، وكان الجزء صاحب أعلى تكلفة إنتاجية من الطائرة هو الخلايا الشمسية التي بلغ عددها 750 خلية ووصلت قيمتها إلى 6000 يورو.
كيف تعمل طائرة سولار وان الشمسية؟
ضمت طائرة سولار وان أربعة محركات بوش كل منها بقوة حصان واحد مرتبطة بمجموعة بطاريات مكونة من 24 بطارية نيكل كادميوم يتم شحنها عن طريق الخلايا الشمسية المذكورة مسبقًا.
سولاير 1:
وهي طائرة شمسية ألمانية الصنع إستخدمت مجموع 2499 خلية شمسية بسعة إنتاجية تراوحت ما بين 2.4 حصان و3 حصان. وقد تم إنطلقت سولاير 1 في رحلتها الأولى في الحادي والعشرين من أغسطس من عام 1983 واستمرت الرحلة لمدة 5 ساعات و40 دقيقة.
وقد تم ضم نموذج الطائرة إلى الأغراض المعروضة في المتحف الألماني في مدينة ميونخ.
إراست:
على مدار تسعينيات القرن الماضي، قامت وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) بإطلاق برنامجها الخاص بتطوير تقنيات الطيران والاستشعار للأبحاث البيئية (إراست) وهو برنامج يعني بتطوير طائرات ذاتية القيادة تعمل بالطاقة الكهربائية بغرض إتمام مهام علمية ودعم الإتصالات والدراسات الجوية على إرتفاعات تصل لأكثر من 60000 قدم.
ونجح أول نموذج أنتجه برنامج إراست والذي حمل إسم باثفايندر في تحطيم الرقم القياسي لأعلى إرتفاع للطائرات الشمسية في عام 1995 حيث حلقت على ارتفاع 50000 قدم لمدة 12 ساعة قبل أن تحطم هذا الرقم بنفسها بعدها بعامين بالطيران على ارتفاع 71530 قدم.
أما ثاني نماذج المشروع باثفايندر بلس فقد نجح في الطيران على ارتفاع 80000 قدم في 1998 ليتفوق بذلك على النموذج السابق. وقبل أن يتم إلغاء البرنامج في عام 2003 بعامين، تم إنتاج وتجربة آخر نماذج المشروع هيليوس والذي حلق على إرتفاع قارب حاجز ال97000 قدم.
سولار إمبلس:
مع تصاعد الحاجة إلى مصادر الطاقة النظيفة وتطور تقنياتها، تم إطلاق مشروع سولار إمبلس في عام 2003 في سويسرا على يد المهندس السويسري أندريه بروشبرج وبيرتراند بيكارد بهدف تطوير طائرات كهربائية ذات مقعد واحد بجناح ثابت لها القدرة على التحليق حول العالم.
تجارب الطيران:
قامت أولى نماذج الطائرات الشمسية التي أنتجها المشروع تحت إسم سولار إمبلس بتحقيق أول إختبار طيران ناجح في شهر ديسمبر من عام 2009 حيث حلقت لمسافة 350 متر على مسافة متر واحد فوق الأرض، وكان الهدف الأساسي من وراء هذه التجربة هو إختبار مواصفات الطائرة التقنية ومدى سهولة التحكم بها. لكن الإختبار الفعلي الأول لطائرة سولار إمبلس 1 جاء بعد ذلك بأربعة أشهر في أبريل 2010 عندما قام الكابتن ماركوس شيردل بالطيران بها لمدة 87 دقيقة على ارتفاع 1200 قدم.
وعلى مدار الأشهر التالية، نجحت الطائرة في تنفيذ رحلة كاملة قامت خلالها بشحن خلايا الطاقة الشمسية في الجو كما أتممت أولى رحلاتها الليلية والتي إستمرت لمدة 26 ساعة متواصلة على ارتفاع 8600 متر لكي تسجل رقم قياسي جديد كأطول وأعلى رحلة طيران
أول رحلة دولية:
قامت سولار إمبلس في الثالث عشر من مايو من عام 2011 بالإقلاع من قاعدتها في سويسرا نحو مدينة بروسل العاصمة البلجيكية لتحقق بذلك أول رحلة دولية للطائرات الكهربائية. وقد استمرت الرحلة على مدار 13 ساعة قطعت فيها الطائرة مسافة 630 كيلومتر بسرعة بلغ متوسطها 50 كيلومتر في الساعة وارتفاع 1800 متر.
مدريد – الرباط:
وتعد هذه أيضًا أول رحلة عابرة للقارات تقوم بها طائرة من طائرات الطاقة الشمسية، وتم إجراء هذه الرحلة في يونيو من عام 2012 من مدينة مدريد في إسبانيا إلى مدينة الرباط في المغرب وإستمرت ل19 ساعة.
مواصفات طائرة سولار إمبلس 1:
إستخدمت سولار إمبلس 1 4 محركات كهربائية مشغلة عن طريق 4 بطاريات ليثيوم وتصل سعة كل منها إلى 7.5 كيلوات، ويتم شحن البطاريات من خلال 11600 خلية شمسية مثبتة على الجناح العلوي للطائرة. ووصل الحد الأقصى لسرعتها إلى 70 كيلومتر في الساعة والارتفاع الأقصى إلى 12000 متر بينما وصلت قدرتها على التحليق المتواصل إلى 36 ساعة.
سولار إمبلس 2:
في عام 2011، بدأ مشروع سولار إمبلس العمل على تطوير ثاني نماذج الطائرات الشمسية الخاصة به وتم الإنتهاء منه بالفعل في خلال ثلاثة سنوات.
وقد تم توظيف العديد من التقنيات والمواصفات الحديثة في سولار إمبلس 2 التي لم تكن موجودة في النموذج السابق وعلى رأسها نظام الطيار الآلي وقناع الأكسجين والذي ساعد على أن يصل الارتفاع الأقصى للطائرة إلى 12000 قدم.
من ناحية أخرى، فإن سولار إمبلس 2 تعد قفزة فيما يتعلق بأداء طائرات الطاقة الشمسية فقد وصلت سرعتها القصوى إلى حوالي 140 كيلومتر في الساعة وهو ما يعادل ضعف السرعة القصوى لسولار إمبلس 1. ومن أحد أهم الأسباب وراء هذا هو نظام المحرك المتطور الذي تحتوي عليه الطائرة والذي يتكون من 4 محركات كهربائية مرتبطة بأربع بطاريات ليثيوم يتم تزويدها بالطاقة من خلال 17248 خلية شمسية مثبتة على جناحها الذي يصل طوله ‘إلى 72 متر.
إختبارات الطيران:
أقلعت سولار إمبلس 2 للمرة الأولى في 2013 ووصلت إلى إرتفاع 1700 متر في خلال الرحلة بمتوسط سرعة أرضية 56 كيلومتر في الساعة.
وفي شهر أكتوبر من العام نفسه، أكملت سولا إمبلس 2 أولى رحلاتها الليلية وكذلك أول رحلة لها على أعلى إرتفاع ممكن لها.
جولة حول العالم:
احتلت سولار إمبلس 2 صدارة أخبار صناعة الطيران العالمية بين العامين 2015 و2016 بسبب جولتها الشهيرة حول العالم والتي بدأت في التاسع من مارس من عام 2015 وحتى الثالث والعشرين من يوليو من عام 2016.
وعلى مدار 490 يوم، سافرت سولار إمبلس 2 مسافة وصلت إلى 43000 كيلومتر في إجمالي 550 ساعة طيران (22 يوم و22 ساعة) استهلكت خلالها 11000 كيلو وات ساعة.
وفي خلال هذه الجولة، سافرت سولار إمبلس 2 عبر 18 مدينة موجودة في آسيا وأفريقيا وأوروبا وأمريكا الشمالية وفوق المحيطين الهادي والأطلنطي وثلاثة بحار كبرى (البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر وبحر العرب).
وقد ساعد هذا سولار إمبلس 2 على تحطيم 19 رقم قياسي في صناعة الطيران وعلى رأسها أطول رحلة طيران يقودها شخص واحد والتي حازت عليها الرحلة التي قطعتها الطائرة ما بين اليابان وهاواي بقيادة أندريه بورشبيرج.
مستقبل سولار إمبلس:
في عام 2016، أعلن القائمين على المشروع عن خططهم الخاصة بتطوير نموذج ثالث له القدرة على إتمام وتنفيذ بعض المهام التي ينفذها عادةً الأقمار الصناعية، لكن لا يوجد هناك موعد محدد لإنتهاء العمل على هذا النموذج بعد.
مزايا طائرات الطاقة الشمسية:
1- غير مضرة بالبيئة:
فإعتماد الطائرات الكهربائية على مصدر نظيف للطاقة لا يتسبب بأي ضرر للبيئة ليس فقط أهم مزاياها، بل أنه كان الهدف الرئيسي من تطويرها في الأساس.
2- مصدر مجاني للطاقة:
الطاقة الشمسية هي مصدر نظيف ومجاني ومتجدد للطاقة وهو الأمر الذي يعطيها أفضلية كبرى على الوقود الحفري من حيث التكلفة.
عيوب طائرات الطاقة الشمسية:
1- الإعتماد على حالة الطقس:
على الرغم من أن حالة الطقس تعد من أهم العوامل المؤثرة في حركة الطيران التجاري اليومية حول العالم، الإ أنه ذو أهمية أكبر عندما يتعلق الأمر بطائرات الطاقة الشمسية. ففي حين أن سوء الأحوال الجوية قد يتسبب في بعض الإضطرابات في مواعيد هبوط وإقلاع الطائرات التجارية وجعل طيرانها أكثر صعوبة، إلا أن الطائرات الكهربائية لن يمكنها العمل من الأساس إلا في ظروف جوية معينة خاصة عند السفر لمسافات طويلة التي تتطلب شحن الخلايا الشمسية في الجو.
2- تكلفة المعدات:
ففي حين أن مصدر الطاقة نفسه مجاني ومتجدد، إلا أن المعدات والتقنيات المطلوبة لإستخدام هذه الطاقة وتحويلها إلى كهرباء باهظة التكلفة نظرًا للعدد الكبير من ألواح الطاقة الشمسية المطلوبة لكي تعتمد عليها الطائرة بالكامل، والأمر الذي يجعل تطبيق هذا على مستوى الطيران التجاري يعد مستحيلًا في الوقت الحالي.
ختامًا، فإن إعتماد العالم التدريجي على مصادر الطاقة المتجددة في جميع الصناعات بشكل عام وفي صناعة الطيران بشكل خاص يعد خطوة إيجابية نحو المحافظة على البيئة وإبطاء سرعة تغير المناخ العالمي.
ولا يعني هذا بالطبع أن طائرات الطاقة الشمسية ليس لها إستخدامات هامة في الوقت الحالي والمستقبل القريب على رأسها الأبحاث والدراسات الجوية وتدعيم الإتصالات وغيرها، لكن ما زال أمامنا الكثير في هذا المجال لكي نستطيع إستخدام هذه الطاقة في الطيران التجاري.
المزيد عن
قائمة بـ أكبر شركات الطيران في العالم ..من بينها شركة الطيران الإثيوبية
مرافق الطيرانأسئلة عن أكاديمية الطيران؟ قم بسؤال أحد المدربين